سورة آل عمران - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)}
قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} يأتي بيانه في النساء. {فَإِنْ تَوَلَّوْا} شرط، إلا أنه ماض لا يعرب. والتقدير فإن تولوا على كفرهم واعرضوا عن طاعة الله ورسوله {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم كما تقدم.
وقال: {فَإِنَّ اللَّهَ} ولم يقل {فإنه} لان العرب إذا عظمت الشيء أعادت ذكره، وأنشد سيبويه:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء *** نغص الموت ذا الغني والفقيرا


{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً} اصطفى اختار، وقد تقدم في البقرة. وتقدم فيها اشتقاق آدم وكنيته، والتقدير إن الله اصطفى دينهم وهو دين الإسلام، فحذف المضاف.
وقال الزجاج: اختارهم للنبوة على عالمي زمانهم. {وَنُوحاً} قيل إنه مشتق من ناح ينوح، وهو اسم أعجمي إلا أنه انصرف لأنه على ثلاثة أحرف، وهو شيخ المرسلين، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر القرابات، ومن قال: إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم على ما يأتي بيانه في الأعراف إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ} تقدم في البقرة معنى الآل وعلى ما يطلق مستوفى.
وفي البخاري عن ابن عباس قال: آلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد، يقول الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68] وقيل: آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وأن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من آل إبراهيم.
وقيل: آل إبراهيم نفسه، وكذا آل عمران، ومنه قوله تعالى: {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ} [البقرة: 248].
وفي الحديث: «لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود»، وقال الشاعر:
ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه *** علي وعباس وآل أبي بكر
وقال آخر:
يلاقي من تذكر آل ليلى *** كما يلقى السليم من العداد
أراد من تذكر ليلى نفسها.
وقيل: آل عمران آل إبراهيم، كما قال: {ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 34].
وقيل: المراد عيسى، لأن أمه ابنة عمران.
وقيل: نفسه كما ذكرنا. قال مقاتل: هو عمران أبو موسى وهارون، وهو عمران بن يصهر بن فاهاث بن لاوى بن يعقوب وقال الكلبي: هو عمران أبو مريم، وهو من ولد سليمان عليه السلام.
وحكى السهيلي: عمران ابن ماتان، وامرأته حنة بالنون. وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء لان الأنبياء والرسل بقضهم وقضيضهم من نسلهم. ولم ينصرف عمران لان في آخره ألفا ونونا زائدتين. ومعنى قوله: {عَلَى الْعالَمِينَ} أي على عالمي زمانهم، في قول أهل التفسير.
وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي: جميع الخلق كلهم. وقيل {عَلَى الْعالَمِينَ}: على جميع الخلق كلهم إلى يوم الصور، وذلك أن هؤلاء رسل وأنبياء فهم صفوة الخلق، فأما محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه حبيب ورحمة. قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} [الأنبياء: 107] فالرسل خلقوا للرحمة، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلق بنفسه رحمة، فلذلك صار أمانا للخلق، لما بعثه الله أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور. وسائر الأنبياء لم يحلوا هذا المحل، ولذلك قال عليه السلام: «أنا رحمة مهداة» يخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من الله. وقوله: «مهداة» أي هدية من الله للخلق. ويقال: اختار آدم بخمسة أشياء: أولها أنه خلقه بيده في أحسن صورة بقدرته، والثاني أنه علمه الأسماء كلها، والثالث أمر الملائكة بان يسجدوا له، والرابع أسكنه الجنة، والخامس جعله أبا البشر. واختار نوحا بخمسة أشياء: أولها أنه جعله أبا البشر، لأن الناس كلهم غرقوا وصار ذريته هم الباقين، والثاني أنه أطال عمره، ويقال: طوبى لمن طال عمره وحسن عمله، والثالث أنه استجاب دعاءه على الكافرين والمؤمنين، والرابع أنه حمله على السفينة، والخامس أنه كان أول من نسخ الشرائع، وكان قبل ذلك لم يحرم تزويج الخالات والعمات. واختار إبراهيم بخمسة أشياء: أولها أنه جعله أبا الأنبياء، لأنه روى أنه خرج من صلبه ألف نبي من زمانه إلى زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والثاني أنه اتخذه خليلا، والثالث أنه أنجاه من النار، والرابع أنه جعله إماما للناس، والخامس أنه ابتلاه بالكلمات فوفقه حتى أتمهن. ثم قال: {وَآلَ عِمْرانَ} فإن كان عمران أبا موسى وهارون فإنما اختارهما على العالمين حيث بعث على قومه المن والسلوى وذلك لم يكن لاحد من الأنبياء في العالم. وإن كان أبا مريم فإنه اصطفى له مريم بولادة عيسى بغير أب ولم يكن ذلك لاحد في العالم. والله أعلم.


{ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
تقدم في البقرة معنى الذرية واشتقاقها. وهي نصب على الحال، قال الأخفش. أي في حال كون بعضهم من بعض، أي ذرية بعضها من ولد بعض. الكوفيون: على القطع. الزجاج: بدل، أي اصطفى ذرية بعضها من بعض، ومعنى بعضها من بعض، يعني في التناصر في الدين، كما قال: {الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة: 67] يعني في الضلالة، قال الحسن وقتادة.
وقيل: في الاجتباء والاصطفاء والنبوة.
وقيل: المراد به التناسل، وهذا أضعفها.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13